طراز المدن، والمناظر الوعرة البديعة للريف -لطالما حلمت الفنانة ليز إدواردس بتصورين مختلفين للسويد. أسيكون الجمع بينهما في رحلة واحدة كثيرًا مقارنة بما حلمت به؟
صِف السويد وماذا ترى؟ مكان تعمه السكينة وتصميمه متقدم يحوي متاجر أثاث أنيق، تعامل تحرري مع ركاب الدراجات الهوائية ومقاهٍ ملآى بـ”الآباء المتفرغين” الحاصلين على إجازات أبوة؟ أم أميال سحيقة من البرية الشائكة بالصنوبر، التي لا يقطعها إلا مساحات من المياه المتلألئة وأكواخ خشبية فاتنة وأنواع صحية من أحذية التنزه وسُترات منقوشة بتقنية Fair Isle؟ كان ذهني أشبه بشاشة مجزأة لدرجة لم تساعدني بصدد حجز الأماكن التي سأقيم فيها أثناء فترة إجازتي، وعلق فيها كلا المنظرين في الوقت ذاته (مع بضع صور من متحف أبا والفنان أليكساندر سكارسجارد لترجح الكفة). ولأني كنتُ حائرة بين الخيارين ولم يكن لدى زوجي أيام كثيرة في إجازته السنوية، فقد اتخذتُ قرارًا من جانب واحد – سنحاول تمضية الوقت في عجالة في كل من المكانين. حسنًا، الأمر أشبه بقرار من جانب واحد. ولكن على مدار إجازة نهاية الأسبوع الطويلة، أيمكنني الحصول على كعكة القرفة خاصتي وأكلِها؟ استقررت في قراري على الساحل الغربي في جوتنبرج حيث بدأت رحلتنا في المدينة قبل أن نتجه إلى البراري. ولكوني محبة لمنطقة إسكيندينافيا بعض الشيء، لطالما تاقت عيناي إلى شقيقة ستوكهولم الصغرى ذائعة الصيت بطعامها الفاخر. أخبرتني صديقاتي السويديات بأني سأختبر تجربة أكثر تطورًا مما شعرتُ به في العاصمة الراقية واضحة المعالم. كنت أتوقع أن أرى أشخاصًا بلِحِيِّ.
نظريًّا، ما كان رائعًا في خطتي أنها كانت تعني إجازتين في إجازة واحدة. أما ما كان بشعًا حزمَ الحقائب. يمكن أن تكون الأزياء المناسبة لكل من العمل المكتبي والسير في الغابات مفيدة في السويد، ولكنها لا توجد في خزانتي. لذا فقاعدة “ارتدوا أضخم ما لديكم من ملابس على متن الطائرة” قد رأتنا ونحن نخرقها وندخل إلى فندق كلاريون بأحذية مشي بالية متثاقلين بين أهالي إسكيندينافيا الرائعين الذين لهم أناقة المدينة.
”على مدار إجازة نهاية الأسبوع الطويلة، أيمكنني الحصول على كعكة القرفة خاصتي وأكلِها؟”
لا شك أنهم لم يهتموا، وكذلك نحن بمجرد عودتنا إلى طبيعتنا المتحضرة قليلًا وعودتنا إلى الشوارع. نشأت جوتنبرج في القرن السابع عشر بوصفها مستعمرة تجارية محصَّنة ومحاطة بقنوات متعرجة زُخرِفَت فيما بعد بالكباري بديعة المنظر والمنازل الكلاسيكية الجديدة التي بناها تجار شركة الهند الشرقية التجارية. ولأننا تبِعنا تجار العصر الحديث في الوقت الحالي – لم يكُن هناك طريق إلى الحالة الذهنية الإسكيندينافية أسرع من جولة حول متاجر إسكندينافيا الجذابة بلا أدنى جهد وبشكل يُعجِز الوصف. (ربما فضل زوجي سلك الطريق المختصر نحو كعكة القرفة، ولكن الوقت اتسع لذلك أيضًا…) حسبما سمعت، صارت المنطقة التي تحيط بماجاسنسجاتان هي الجزء العصري من المدينة للأعوام القليلة الماضية، وأكد ذلك أننا وجدنا الكثير من ذلك النوع من المتاجر الذي يتيح لك أن تتخيل نفسك سويديًّا: كان هناك متجر لعلامة نودي جينز المصنوعة في السويد نفسها؛ والأثاث البسيط العملي من نوع جرانيت، والأزياء والحُلي في متجر ميكساجو الذي يدير مالكه مشروعًا محليًّا يروج لفنانات الشوارع (لن تجد هذه الميزة في ستوكهولم الخالية من زخارف الجدران.

فطيرة الدراسين (القرفة) التقليدية
في متر مربع واحد خارج ماجاسنسجاتان، وصلنا إلى قمة الروعة: متجر جراندبا التابع للعلامة التجارية لايف ستايل الذي يباع فيه فراشي الأسنان المصنوعة بيد مصممها الخاص، وألواح التصويب العتيقة والأزياء البسيطة؛ وكذلك متجر الأثاث أرتيليريت، ومقهى دي ماتيو الرائع الذي يشترك مع محل الزهور فولرامور وكروكاتوس في الفناء الخلفي التي تتنقل بين جنباته العصافير. وبينما نحن جالسون هناك نحتسي القهوة المحمصة منزليًّا بالهيل مع كعكة القرفة (زوجي الآن راضٍ)، أدركت أن هذا كان حقًّا رائعًا: تناول الوجبات الخفيفة على الطريقة السويدية لا يصبح رائعًا إلا عندما يُشارَك. كان المشهد مطابق مطابقة غريبة لنصف من الشاشة المجزأة في ذهني.
قبل أن تنبهر بالصور المثالية للمشهد ككل، من المهم أن أذكر أنه من بعض النواحي، يسيطر على الأفق ، ليس الكنائس البديعة، وإنما برج “أحمر الشفاه” بتصميمه الذي يشبه قطع الليغو باللونين الأحمر والأبيض الذي يقبل الجميع كونه واحدًا من أقبح المباني في السويد. كذلك جوتنبرج هي موطن صناعة سيارة فولفو – ولا تتذمر! – متحف سيارات فولفو. الرحلة إلى المدينة لا تكون رحلة إلى المدينة بدون جانب ثقافي، ولكن حتى ونحن بأحذية المشي، كنا سنشعر أننا أكثر هدوءًا من ذلك.
لذا، ففي الصباح التالي خططنا للذهاب إلى فاساتان، الحي الذي تكتنفه الأشجار والمليء بالمتاحف ومعارض الفن. ظل الستار مُسدلًا على ألاس روسكا، متحف التصميم والحِرف، بعد تجديد استمر لمدة عامين (وهو جاهز لاستقبال الزوار الآن)، غير أني بالوقوف على قمة طريق كانجسبورتافينين، محاطة بقاعة الحفلات ومسرح الدولة والمكتبة ودارَيْ سينما ومركزَيْ فنون، حسبتُ أننا سنتأقلم.
“حتى بقاع جوتنبرج غير اللطيفة كانت ساحرة وجذابة“
أما عن متحف الفن في جوتنبرج، الصرح أصفر الجدران على شكل المصنع، فقد كان متعة: كان خليطًا سارًّا من الطُّرُز الدولية – مثل أعمال بيكاسو ومونيت وبراك وديجاس – إلى جانب مجموعة غنية من الفنانين الإسكيندينافيين. لم تكن جميع القطع الفنية من الطراز المزاجي لأعمال مانش، كذلك – بل كانت الصور العائلية الصفيقة التي رسمها كارل لارسون في القرن التاسع عشر، كانت إلهامًا. كان جوتنبرج هو المكان الذي تشكل فيه اتحاد الفنانين في نهاية القرن، وكان ذلك معارضةً لأكاديمية ستوكهولم الأكثر استعلاء منه، ومع ذلك ظل بعض التلاعب قائمًا. أما القطعة الفنية الأكثر إبهارًا هي تلك التي رسمتها سيدات العوام والتي تُسمَّى كاسجا فون زيبيل: المنحوتة الضخمة التي تصور شكل راقصة هزيلة متجهمة تدور ببطء رأسًا على عقب حول سارية. حديثًا، أصبح لجوتنبرج اسم وشهرة من الفنون المطبخية. ربما تبدو نجوم المدينة الست المسماة بميتشلين متواضعة، ولكن هذا يؤهل لندن لما بعد النجوم المتوافقة مع سكانها. تناولنا العشاء في الليلة السابقة في فاميليجين، الشقيق العصري لكوكا، إحدى تلك النجوم الست. قُدِّم لنا خبزًا مختمرًا فاخرًا مع القشدة الحامضة وبطارخ القد المدخَّن؛ أما سمك التشار القطبي الذي يغلب عليه الطعم الأومامي مع فطر الشيتاكي المخلل وصلصة خل المشروم فقد كان أشبه بالصيف الإسكاندي مقدَّمًا في طبق. لم يكن الطبق ليكون أكثر سويدية لو طهاه طاهي مسلسل ذا موبيتس.

خيم الغسق على غوتنبرغ
وقد كان الغداء الذي تناولناه بعد عرض الفنون داعمًا لذلك الفن بالمثل.
أما في لانجاتان، الحي الناشئ غربي مركز المدينة، جلسنا في ساحة كافيه ماجاسينيت الزجاجي السطح الجاهز لتصوير مشهد لمجلة، وسط الأوعية المكرمية والأثاث المصنوع من الخيزران والمصابيح المصنعة. كان في قائمة الطعام سلطات نباتية، وألوان من خبز الباجيت المملوءة بالحشو، وألذ أفوكادو وبيض يقدمان على خبز مختمر تناولته في حياتي على ما أظن. بصراحة، يبدو أن جوتنبرج لا تشوبها شائبة. حتى الأجزاء غير اللطيفة هناك كانت ساحرة وجذابة: ففي جولتنا ونحن عائدان إلى الفندق مرورًا بهاجا، كان الحي القديم الرائع ذي الأرصفة والمنازل الخشبية، يضم متجر القباقيب التي يصنعها الحرفيون المهرة، ومتجر أشبه بكهف علاء الدين تباع فيه خمور مرتبة ترتيبًا عشوائيًّا، ومخبزًا تباع فيه كعك القرفة بحجم بكرات الأفلام السينمائية. (وذكرتُ نفسي: متحف سيارات فولفو!) حان وقت الوجه الآخر للسويد. ليس عليك أن تبتعد كثيرًا عن مخرج جوتنبرج لتجد مخرجًا مغامرًا. غربي المدينة وفي 40 دقيقة، ستوصلك عبارات من سالتولمين إلى جزر مثل ستيرسو، بعربات الجولف والمقاهي ذات صبغة الإجازات. غير أن بحثي في قرارة نفسي عن حجرات مخصوصة على جانبي المياه، قادني إلى قرية في منطقة بوهوسلان شمالي جوتنبرج، تُسمَّى ليكرونا – وهو مكان إذا ترجمنا اسمه نحصل على كلمة السعادة في بعض الترجمات.
وبالاتجاه إلى شمالي المدينة، أصبحنا خارجها بسرعة بين شجر القضبان والصنوبر، ورأينا بيوتًا ريفية أسطحها حمراء وأسراب من الأوز. وبعد 45 دقيقة من توديع مبنى أحمر الشفاة، كنا نتوقف تمامًا خارج ليكرونا – ما وراء السعادة فعلًا – في أنفاسترود جاردسفيك. إنها عبارة عن مخيم على شاطئ البحر، ولكن ليس ما قد تتوقعه حقًّا إذا كان مقياسك مخيمات شاطئ البحر البريطانية. أجل، كان هناك قطع أرض للخيم ومركبات الكارافان والمنازل المتنقلة، ولا، لم يكن هذا كله في أغوار البراري وسط الغزال الأمريكي والذئاب. ولكنه كان مسليًّا في الحال. واستقر مبنى مكسو باللون الأبيض يحوي استقبالًا ومطعمًا في مواجهة الجزر المحمية التي تُبقي البحر بهدوء البحيرات. امتدت أرصفة بحرية صغيرة على طول المياه؛ وامتدت الحقول وأشجار الزان على جانب الشاطئ من الجهتين؛ وسبحت السُّحب كالكريمة المخفوقة في التلال الزرقاء البعيدة التي تُرى بالنظر السريع. وإلى جانب هذه الأراضي المؤقتة، كانت هناك بضعة أكواخ خشبية بسيطة مجهزة بمطابخ صغيرة. كان الكوخ الخاص بنا يطل على حافة الموقع، وتطل شرفته على البحر والغابة بصورة أساسية، وتتيح فرصة لرؤية أقواس قزح التي تتكون بين الحين والحين.
كان أعلى صوت نسمعه هو صوت تساقط ثمار جوز البلوط على الأسطح. هكذا تمكنَّا من اللعب في عزلة مدهشة، ثم تجولنا في المبنى الرئيسي بحثًا عن وجبات الإفطار التي تقضي على جوعنا، واستئجار القوارب والدراجات، وأزياء من المالكتين هانا وماجنس (H&M! سويدي جدًّا).
وفي أول ظهيرة، أوضحت هانا لنا مسارات السير عبر الغابة التي تعلو الموقع، وميزت لنا أنواع الفطر والتوت التي يمكن تناولها والتي تكثر تحت أشجار الصنوبر ونباتات السرخس وأشجار البلوط. قالت بحماس منقطع النظير، “هذه الغابة مثالية للأولاد، فهي كمتحف مفتوح يمكنك أن تشرح فيها أي شيء” وحتى بدون سترة مصنوعة على طراز فير آيل، أكملت رسم الصورة العالقة في النصف الآخر من شاشة ذهني المجزأة. ثم حسنتها عندما قدمت لنا قارورة القهوة وكعك القرفة المخيوز منزليًّا. فتناول وجبة سريعة في الغابة مع مناظر البحر والجزر لم يكن ليضاهيه شيء.

أشجار الصنوبر الباسقة بطول الشاطئ الهادئ الأمواج في الغابة
ولكننا اختبرنا ما هو أروع من ذلك في حمام البخار الطافي في جاردسفيك. أخبرتكم أن هذا ليس مخيمًا عاديًّا؛ ظننتُ أني لابد أن أنحني لهذا الجمال عندما رأيته. أضيئ لنا الكوخ الخشبي بعد جولتنا، ذلك الكوخ الذي كان مرتبطًا بالأرصفة البحرية، لذا مِلنا برفق ونحن نشاهد المنظر وحرارة الصنوبر لأقصى مدى استطعنا تحمله، قبل الانطلاق إلى الخارج للغطس في البحر والتجديف قليلًا وتسلق الخطى والبدء من جديد. كانت تجربة تدغدغ الحواس ومنعشة وعلاجية. كانت رائعة.
“قضينا مدة الساعات الست والثلاثين نستمتع بالهواء الطلق، وبوجناتنا التي صارت وردية، وبعض المغامرات في الطبيعة“
وهكذا مرت الـ 36 ساعة التي كانت لدينا على الساحل في استنشاق هبة هواء منعش، وخدود موردة ومغامرات في الطبيعة، كما لو كنا شخصيات في كتاب أطفال (في مكان ما بين بيبي لونجستوكينج و سوالوز وأمازونز). تجولنا حول الساحل ذهابًا إلى بعض المطاعم الفاخرة (كان قربها سببًا إضافيًّا لاختيار المخيمات بدلًا من البراري). حاولنا صيد السلطعون خارج الرصيف البحري: فكانت المياه الواضحة وضوح مشروب أكوافيت نقطة ضعف للسلطعون، وسوانا به في اللعب نقص المهارة لدينا.
واستأجرنا زورقًا آليًّا صغيرًا باللونين الأزرق والأبيض من ماجنس. أمدنا ببكرات صيد خشبية وأوعية تحوي الطُّعوم، وخريطة تظهر عمق البحر وأقرب جزر، وسلة رحلات معتبرة الحجم. وبعد اجتياز مزارع المحار، حيث تجثم طيور الغاق كي تجفف أجنحتها، أوقفنا المحرك واتبعنا تعليمات ماجنس بحذافيرها قدر المستطاع في ما يخص الطعم وحبال الصيد. وفي النهاية كان علينا الإقرار بأن أسلوب “صيدنا” لم يكن إلا وسيلة بطيئة متقنة لإطعام أسماك الإسقمري المحلية.
ولذا فقد اخترنا جزيرة من بين عشرات الجزر المتناثرة كوجهة لرحلتنا. ممر رملي تكسوه الأصداف الرقيقة يمتد بين الصخور، ومنحتنا نباتات الخلنج والأشجار صباحًا مشرقًا، بحسب ما أعتقده في جزيرة بيرتش – يوركهولمن. بالطبع كانت هادئة تمامًا، فقد كانت يخوت يوم الأحد تمر من أمامنا، لكن المكان لم يكن به غيرنا. جلسنا على صخور تكسوها طحالب الأشنة مع وجبة غداء غير معلبة، وشطائر بلحم الموظ، وفطائر جامدة منزلية الصنع. شكلت السويد سحرها الخاص وفق طريقتها. بدت جوتنبرج وكأنها من عصور مضت، حتى الوطن بدا بعيدًا. وربما كان هذا وراء بهاء عدم اتخاذ القرار. عندما حظينا بإجازة اثنين في واحد، شعرنا وكأننا فقدنا الحياة الاعتيادية السابقة مرتين.
المصدر: The Sunday Times Travel Magazine / تراخيص إخبارية
أتفكر في السفر؟ للحجز في رحلة، يُرجى الاتصال بالرقم 6666 316 4 971+ أو زيارة الموقع visit dnatatravel.com