تتميز الوتيرة السريعة وشديدة النشاط للمدن الكبيرة في الصين كذلك بآليات بطيئة ستعمل على تهدئة روحك. إلين هميلفارب تعثر على جوهرها.
وسط حفيف أردية تشانغشان السوداء المتدفقة، يدخل السيد الغرفة، وما تزال حركات قدمي النقرية القلقة ساكنة كما لو كانت كذلك بفعل بعض من السحر. يعدّ شاي الياسمين في صمت، ويصبه في أكواب صغيرة من السيراميك ويجلس، في وضعية باليه، لبسط لفافة من القماش تحتوي على أدوات نحاسية شديدة صغر: وهي فرشاة، وملقط، وملعقة مسطحة حادة النصل. وبجانب الأدوات هناك أوعية طينية من مسحوق عطري وجرار من الرماد الأبيض الناعم ورقائق ستنسل نحاسية مقطوعة على أشكال زهرة اللوتس، المواد الخام في درس “تقدير للبخور” خاصتي. في محاكاة لحركات معلمي، أضع رقاقة ستنسل على الرماد وأربت على المسحوق لإخراجه لأعلى: مع نقرة أخرى مزدوجة ولكن أهدأ هذه المرة. وأقوم بتسوية الحواف باستخدام الملعقة المسطحة خاصتي: بحركة أكثر هدوءًا.

مصابيح النيون تضيئ سماء الليل في شنغهاي
وبينما أركز على كسح الغبار الناعم الكثيف، يتحدث السيد بسلاسة عن هذه الطقوس، التي تعود إلى آلاف السنين، المجراة للشفاء أو معرفة الوقت أو إبعاد الشرور بالدخان أو، كما هو الحال اليوم، لمساعدتنا على الاسترخاء بكل بساطة. ثم نرفع قوالبنا للكشف عن أشكال البخور التي تمثل الزخارف على سطح أكواب الكابوتشينو. ونشغل الأطراف ونشاهد اللهب المشتعل وهو يخمد، مثل أصابع المتفجرات الكرتونية بحركة بطيئة. لمدة تبدو كما لو أنها 10 دقائق من التركيز العميق والتنفس الأعمق، تمر ساعتنا بسرعة. هل هذا ما يطلقون عليه… زن “الاسترخاء”؟
كنت متحمسة للغاية للتواتر الأكبر والأضخم والأسرع الذي أصبح كل شيء الآن لشنغهاي، الفوضى المنظمة لـ 26 مليون مناضل. في معظم أيام الأسبوع، تسوقت في المتاجر الضخمة المضاءة بالنيون بشارع نانجينغ، وتناولت مشروبات في صالات أعلى من برج شارد في لندن بمسافة 100 متر. لقد تغلبت على ضربات مرافق السائحين الحادة في “جسر المتعرج” المقدس لالتقاط صور للمعابد الأثرية بحديقة يو .وشاركت في أحدث إنجازاتي: وهو جرعة من الشاي الغني بالنيتروجين في روطن حيوي مساحته 2694 مترًا مربعًا، وهو واحد من أكبر محلات Starbucks في العالم.

شوارع شنغهاي المزدحمة
تمت المهمة. ولكن إذا تابعت على هذا الحال أكثر من ذلك فسأحتاج إلى أخذ عطلة من عطلتي. فالمطلوب في الأيام القليلة المقبلة هو بعض السكون، والهدوء، والسلام والتأمل، والاسترخاء. بعض من طاقة يين القديمة الهادئة لموازنة طاقة يانغ الحديثة الصاخبة للمدينة. ومدرسة نانشوفانغ هادئة الوتيرة للفنون الأكاديمية، طقوس الشاي وترتيب الأزهار وفن الخط والمزيد حول طقوس البخور المشتركة في المنهج، هي المكان المثالي للبدء. وبينما يتدفق المتسوقون في الخارج، في حي زينتياندي، حول متاجر المدربين العصرية القابعة في منازل شيكيومين تقليدية مبنية من الطوب الرمادي، أميل لأستنشق الرائحة العطرة لطاولة على طراز تشينغ من خشب النانمو الصيني التاريخي، بينما يعزف معلم وطالب على آلة قو تشين الشبيهة بالقانون خاصتهما في الخلفية. يقول المعلم شارحًا: “إن سرعة الحياة تحدث تأثيرات سلبية،” “حيث يتفاعل الأشخاص مع الضغط بالعودة إلى الكونفوشية والبوذية، من خلال تبديل القيم المادية بالثقافة، التمهل”.
قد يكون هذا صحيحًا، ولكن يرتفع ضغط دمي بسرعة مرة أخرى فور مغادرتي. سأذهب لتناول العشاء خلال ساعة في مطعم في أعماق منطقة الامتياز الفرنسي، الربع الجنوبي الغربي من المدينة المطوق بواسطة المحتلين الفرنسيين في القرن التاسع عشر، ولكن عبور زينتياندي يتطلب رشاقة راقصي الشوارع. وحركاتي ليست مهيئة لذلك، لذا أستقل سيارة أجرة معتقدة أن الأمر سيكون أكثر استرخاءً.
ولكن لم يكن الأمر كذلك. بالانطلاق نحو الغرب، أنزلق في مقعدي لاستيعاب الارتفاع الشاهق للأبراج الجديد التي تحيط بأطراف مأوى المستعمرين الفرنسيين القديم، بينما ينحرف السائق حول حشد من الدرجات الكهربائية الصاخبة والمشاة المتفرقين بمهارة بطل لعبة فيديو. كل هذا هي أمور حماسية، حتى اشتد الزحام للغاية عند الطريق المسمى أورومتشي بشكل مدهش. يقرع سائق سيارة الأجرة بظفر خنصره الطويل على عجلة القيادة.
قائلًا .”Ni ho hala mia wan wo ga lai!”

حديقة يو في، شنغهاي
أو شيء من هذا القبيل. بالطبع هو لا يتحدث إلي، على ما أعتقد، حتى يعيد ما قاله بثقة السائح الأمريكي الذي يتوقع أن الجميع يتحدث لغته. ازدادت مستويات توتري بشكل أكبر. وبدلًا من التحدث ببعض الكلمات المشوهة المأخوذة من كتاب العبارات الصينية الخاص بي، أدفع الأجرة المكتوبة على العداد وألوذ بالفرار، موشكة على الاصطدام بدراجة مزودة بعربة تحمل ثمر موز، حيث يواصل التحدث في اتجاهي.
في بادئ الأمر، كانت الأرصفة مكتظة تمامًا مثل مدرجات الإقلاع. وفي متاجر ضيقة مفتوحة على الشارع على مصرعيها، يغمر تجار الأسماك شباكهم في الأحواض بعمق لسحب ”السلطعون ذي القفاز” المتملص الذي يحمل مخالب محاطة بالزغب، مثل فقازات فراء صغيرة، بينما اتفادى صفوفًا من العاملين الخارجين من أعمالهم الذين يشترون اللفائف من على أواني الطهو على البخار المصنوعة من البامبو. إن هذا لا يمثل منطقة الامتياز الفرنسي الهادئ التي أطوق إليها الآن.
ولكن بالتفافي في شارعي جانبي، يختفي المشهد فجأة، حتى لا أسمع سوى صوت اهتزاز غصون أشجار الدلب مكتملة النمو التي تشكل مظلة في الأعلى. وتقبع بالخلف فيلات بأسقف طينية محاطة بجدران ذات لون بني مائل للأحمر، آخر خيوط من أشعة الشمس الملونة للجص. لا عجب من تمسك الفرنسيين بهذه المنطقة المعزولة الصغيرة الهادئة لما يقرب من قرن.
تتجلى المناظر الطبيعية مثل موقع تصوير سينمائي بعد انتهاء المخرج وخروج الطاقم. وتتوهج نافذة هنا وهناك بأحد المشاهد: حلاق يرتدي ثوب فضفاض يستخدم آلة حلاقة كهربائية ببراعة، أو زاوية مشروبات مضاءة بالشموع مملوءة بمخزون من السلع الفرنسية المستوردة. وتستند إحدى الدرجات الصدئة كركيزة على متجر ثياب. بمروري على عزبة تتميز بزخارف آرت ديكو تحمل الطابع العصري في صورة الأسلاك وأطباق الأقمار الصناعية، أشعر بسقوط قطرة مياه. في نافذة علوية، تثبت سيدة مسنة سروال أبيض كبير بالدبابيس على رف سلكي بارز على الشارع. وتضيف قميص وردي فاتح ثم تبسط ملاءة سرير منقوشة كلافتة ترحيب. بينما أواصل التقدم، تصبغ القطرات الرصيف خلفي.
لقد اختارت صديقتي أبريل مطعمنا، Old Jesse، وهو بمثابة مشروب مهدئ بعد الأيام التي قضيتها منغمرة في غياهب شنغهاي “الجديدة”. نلتقي سويًا في شارع فارغ بخلاف صفوف من الأشجار، ولكن طاولتنا في المنزل المزود بشرفات على طراز ثلاثينات القرن العشرين غير جاهزة لذا نتجول دون مقصد أعلى الطريق وإلى حارة سكنية حيث تعرضنا لمزيد من الرذاذ بقيام امرأة بسكب دلو من الماء على رأسها لتغسل شعرها.
حين أصبحت طاولتنا شاغرة، جلسنا أنا وأبريل بصعوبة حول مربع خشبي صغير فيما كانت حجرة معيشة المنزل من قبل. يخرج من المطبخ طبق لحم تلو الآخر إلى كل طاولة غير مكتملة، ويقضم الزبائن قطع اللحم، بالدهن وكل شيء، بمعدل يبعث على الانزعاج. ويأتي طبق اللحم الخاص بنا لينًا، كما لو كان يطهى لمدة يوم، ومقرمش من ناحية المملوءة بالدهون على نحو مثالي بحيث يخرج الجزأين معًا في لفافة مالحة. خففت حدة هذا الطبق براعم البازلاء الذابلة المغمورة في صلصة الثوم. فقط طبق “الدجاج المسكر”، عبارة عن قطع من صدور الدجاج منقوعة في نبيذ الأرز وتقدم باردة حسب التقاليد، هو ما لم يبهرني.

طهو الأطعمة على البخار في أواني البامبو
بالعودة إلى طريق أورومتشي، في طريق العودة إلى فندقي، ما زال الازدحام المروري شديد ولكن الشوارع تهدأ. تبدأ متاجر شيعرية النودل في الإغلاق، بوجود الزبائن الذين ينهون وجباتهم فقط على ألعاب ما جونغ المهدئة بالهواتف الذكية. يلعب أربعة متقاعدين مرتدين قمصان داخلية بيضاء بالورق حول طاولة حديقة بلاستيكية. ويشتري الطلاب المتوجهين إلى النوادي أسياخ اللحم من على عربة شواء متنقلة، حيث يتصاعد الدخان منتشرًا حول قلاسهم المصبوغة بألوان الباستيل. ووسط كل هذا، بسط شاب حصيرة منسوجة على الرصيف وغط في النوم سريعًا، على الأرجح حتى يستطيع أن يغفو قليلًا قبل فترة عمله الصباحية. أنني معجبة بطاقة زن ”الاسترخاء” لديه.
في الساعة التاسعة صباح اليوم التالي، ذهبت إلى منطقة بوند، وهي جادة على الواجهة المطلة على النهر مزخرفة بمعالم أوروبية فخمة، مثل قطع الألماس في غطاء رأس لامع. أنا أعرفها جيدًا، على الأقل في الليل، حينما تتلألأ بفعل الأضواء المرتبة بشكل استراتيجي على القمم المستدقة والأعمدة والقباء. في وقت سابق من هذا الأسبوع، انضممت إلى جولة التنزه المحمومة على طوال المنتزه، المواجه للمدينة الجديدة ذات الأبراج شاهقة الطول المملوءة بالإعلانات الوامضة والمصدرة أزيزًا عبر النهر. وبتفادي جميع عصا التقاط الصور الشخصية المتقاطعة على المسار، شعرت كأنني عروس تمر أسفل قوس من السيوف.
كان ذلك آنذاك. والآن، في يومي الأخير بالمدينة، ما زلت لم أتخلص من الضغط بالقدر الذي أرغب به. أوصت أبريل بالعودة منطقة بوند مرة أخرى قائلة: “إنها مكان مختلف في الصباح”. في مكان الاحتشاد يتحرك ستة متقاعدين مرتدين ملابس سوداء من رأسهم إلى أخمص أقدامهم ببطء مبالغ في رقصة تاي تشي على موسيقى تصويرية ذات نغمة رفيعة المستوى بمزامير بان. أحاول أن أعثر على نمط لحركاتهم من تلويح أذرعهم ووثباتهم التدريجية الرقيقة، لمواءمة تنفسي مع حشيات أحذية Adidas الرقيقة على الرصيف. وببطء، مع وهج الشمس الذي يكاد يحجب الأفق العلوي نحو الشرق، بالطبع، أشعر بنفسي وأنا أنزلق نحو عالم آخر.

تاي تشي
لا يزال هناك بعض المعالم السياحية التي يتعين علي رؤيتها، لكن بدلًا من التنقل في غياهب وسط المدينة، قمت بتحديد طريق على امتداد نهر سوجو، وهو مسار مموج من المياه ملتوٍ على طول الجانب الشمالي من المدينة. ويلتصق به مسار مملوء بالمناظر الطبيعية يمر على مستودعات نسيج تعود إلى قرن من الزمان ومصانع محولة إلى غرف علوية، شجيرات بارزة من حدائق على الأسقف.
ينشر الضباب الشهير أشعة الشمس في صورة حفنة ملساء من الضوء. وأتجول أسفل صفوف من البلوط والكستناء، دون وجود أي سيارات أو درجات عند التقاطعات كما هو معتاد، وينتهي بي المطاف بجانب الجدران المطلية بالمغرة الصفراء لمعبد جايد الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، على بعد جولة مدتها خمس دقائق من النهر. في آخر مرة كنت فيها هنا، كانت الحشود ممتدة في أربعة صفوف حول الجرار الاحتفالية، والتهديد بالإصابة بالحروق من الدرجة الثالثة من عصي البخور المشتعلة كان بعيد تمامًا عن طاقة زن “الاسترخاء”، لذلك كنت أقوم بتهيئة نفسي أثناء الدخول. ولكني وجدت في الداخل الأزواج يتجولون ممسكين أيدي بعضهم البعض، محتمين في ظلال الإفريز المتأرجح، لاستكشاف القاعات المطلية بالأحمر في سلام وهدوء احترامًا للمكان. وينزلق راهبان يرتدون أردية فضفاضة بلون الزعفران في صمت غامر بحيث يمكنني سماع صوت لطمات الصنادل التي يرتدونها.

تماثيل محاربين مصنوعة من التراكوتا
لماذا كل هذا الهدوء؟ العام الماضي، سمعت صدفةً تمتمة أحد المرشدين أنه تم رفع المعبد بأكمله على أسطوانات ونقله 30 مترًا للخلف. وظهر في المساحة الفارغة ساحة شاسعة للتنفس والتأمل والتلويح بعصي البخور بحرية.
جلست لبعض الوقت على درجات المعبد أتنفس رائحة البخور وأشعر بوضعية جلوسي المترهلة وهي تصبح مرتخية حتى تكاد تطابق وضيعة بوذا. وأنسل إلى المترو. إن نظام النقل العام في شنغهاي هو الأطول في العالم، والأسرع كذلك بفضل قطار المطار الخاص به الذي تبلغ سرعته 430 كيلو مترًا في الساعة. ولكن في وقت مبكر من المساء، انتشرت الحشود من قاعة التذاكر الضخمة، مفسحة الطريق تجاه كشك باللغة الإنجليزية. ما مدى سهولة دفع حفنة العملات المعدنية الخاصة بي للحصول على تذكرة، ووضوح اللافتات المشيرة إلى المنصة، وسرعة وصول القطار، ومدى كون هذا كله باعثًا على الاسترخاء… بغرابة.
يبتعد القطار مسرعًا، مما يتسبب في تحرك الإسقاطات الضوئية على جدران النفق كمنظار محيائي. وأميل على العمود وأشاهد المنظر بتأمل في ظل إصدار الهواء تهويدات ناتجة عن المعدات. هذا هو آخر مكان كنت سأبحث فيه عن الصفاء، ولكن شنغهاي تفاجئك حتى عندما لا تكون تحاول ذلك، على وجه الخصوص. وأعتقد أنني وجدت السلام أخيرًا.
أتفكر في السفر؟ للحجز، اضغط هنا!