على الحائط تشير إلى 5:30 مساءًا. تجلس إرينا على الطاولة المستديرة الكبيرة وهي تدردش وبجوارها تلعب حفيدتيها جيورجي وماريامي. بالخارج، يلهو الدجاج والخنازير في الحشائش. يوجد خلف المنزل غابة وخلفية هائلة من الجبال في حين تكاد تتلاشى رؤية الحقول الخضراء والأشجار، وتظهر قمم صخرية مبطنة بالثلج والجليد.
ياله من مشهد بديع في الجونة، بالتحديد في منطقة راشا غرب جورجيا التي تقع على ارتفاع 500 متر فوق مستوى سطح البحر في جبال القوقاز. ذات يوم، كانت تلك القرية مزدهرة ولكن المنازل المبعثرة المتبقية الآن مهجورة في الغالب بعد إغلاق مناجم الموليبدينوم في الخمسينيات، حيث هجرت الفراشات والزهور البرية تلك الممتلكات المهملة. تعد إرينا وعائلتها السكان الوحيدون المقيمون في المنطقة، إلا أنهم يقضون ثمانية أشهر فقط من العام هنا، حيث إن الطريق يكون غير صالح للمرور من نوفمبر إلى مارس بسبب الثلوج. تأتي بعض العائلات الأخرى لقضاء أسبوع أو اثنين في العطلة.

نحن هنا، على بعد بضعة أميال فقط من الحدود الروسية، لاستكشاف المناطق غير المألوفة في جورجيا، والتي بمنأى عن السياحة. كان علينا الحصول على تصاريح للتجول في المنطقة وسائق محلي لجلبنا إلى هنا في سيارة رباعية الدفع، صعودًا على طريق وعر. تعدك منطقة مرتفعات راشا بعدد هائل من الطرق الممهدة للتجول والجبال العريقة والأنهار الجليدية والطعام المذهل وتجربة السفر البطيء بعيدًا عن المناطق المعروفة مثل تبليسي وسفانيتي. حتى أغلب أهل جورجيا الذين التقيت بهم في أماكن أخرى لم يقمن بزيارة تلك المنطقة من قبل.
عند زيارتنا لإرينا وعائلتها – المكونة من زوجها جيا وابنهم دايفيد وزوجته ماكا – أرسلوا معنا أربعة من المتجولين الشُعث، لقد كان ترحيبًا حارًا. يقول زفياد، مرشدنا الذي يتولى أمر الترجمة، : “إنهم يقدمون لنا خبز الجبن”. تم رفع الطباشير الملون الذي تلعب به كاريامي وظهر طبق من الخشابوري على الطاولة. ثم سلطة الطماطم والخيار. وبعد ذلك طبق الفواكه.

وسرعان ما امتلأت الطاولة باللحم والجبن والبصل البري والقشدة الحامضة. يملأ جيا الأكواب ويقدم نخبًا تلو الآخر – ليعبر عن امتنانه لزيارتنا. إنها ضيافة جورجية تقليدية، حيث يُنظر للضيوف على أنهم “منحة من الرب”. قد تكون الحياة مغلقة بعض الشيء في المنطقة، ولكن هناك دلائل على أن صناعة السياحة الحديثة ستجلب أعدادًا أكثر من الأشخاص إلى المنطقة. تُطلعنا إرينا على حجز الزوار بكل فخر. يتم تقديم هذه الوليمة لجميع من يأتي لزيارة المنطقة، بدون أي مقابل مادي.
في وقت مبكر اليوم، كنا قد نزلنا إلى نهر كيرتيشو الجليدي القريب، عبر غابة من الصنوبر والكستناء والخشب الزان والسرخس الخضراء الغنية، وعلى طول طريق غابي مليء بالورود البرية، والأقحوان والفراشات. وقد بدت القمم الجبلية البعيدة رمادية وضبابية، مع ظهور جيوب من الثلج والجليد بين قمم الصخور. اندفعت المياه الذائبة من كهف أسفل النهر الجليدي إلى النهر بالأسفل.

بعد العشاء، نشاهد خالة سيرغو وهي تصنع جبن راشا. توجد أربع غرف مشتركة – يضيف سيرغو المزيد من مرافق الإقامة وغرفة طعام لتلبية الطلب المتزايد على بيت الضيوف. بعد العشاء، يلعب مؤسسو هذا البيت، جيورجي وزيوريكو، الدومينو تحت النجوم بينما يمتد ضباب درب التبانة فوق الجبال الصامتة البعيدة.
في السنوات القليلة القادمة، سيتم تطوير درب القوقاز، وهو طريق للتجول يجري تطويره في القوقاز، وسيرتبط بالمنطقة ليصل بين سفانيتي وغيبي مما يجلب المزيد من المتجولين إلى المنطقة. بلا شك، يعد التجول أهم ما يميز أيامنا. من منتجع شوفي، تفصلنا أربعة أميال و ثلاث ساعات ونصف (ذهابًا وإيابًا) عن الرحلة إلى الجبل الجليدي بوبا. يعد مطلع الطريق شديد الانحدار وموحل، حيث نسير عبر غابة مليئة بالصنوبر وخشب الزان. عقب ساعتين، يفسح الطريق عن مروج مرتفعة بها حشائش طويلة مليئة بالأقحوان ذو اللون الوردي والأبيض والحوذان والفراشات.

وفي أول موقع تخييم فاخر بالدولة، تخييم جورجيا في مدينة أمبرولوري، توجد ست أغلفة خيام بيضاء مستديرة تبدو وكأنها من الفضاء مثبتة على أحد التلال، وتطل على وادي ومنحدرات غابة صنوبر كثيفة. ويوجد في داخل تلك الخيام المكيفة، حمام ومطبخ صغير، أما بالخارج فيوجد شرفة خاصة بها كراسي متأرجحة من الخوص. تحيط أشجار الزيزفون والبلوط والتفاح بالخيام. ويمتلئ الهواء النظيف المنعش بأصوات غناء الطيور وأزيز الحشرات في سمفونية متصلة. يعد صوت نهر كريكولا بالأسفل هو الصوت الآخر الوحيد هنا. إنه المكان الأمثل للإنفصال عن العالم. تظهر فوقك في السماء ظلة من النجوم، في حين يأتي جيورجي ليمنحنا زجاجة من عنبه محلي الصنع.

نقضي الأيام الأخيرة من رحلتنا في وسط جورجيا، بالتحديد في بورجومي، وهو ملاذ صيفي لعائلة رومانوف، المشهور بمياهه المعدنية وحمامات الكبريت. وبمساحة210000 فدان، تضم حديقة بورجومي خاراجولي القومية واحدة من أكبر مناطق الغابات البكر في أوروبا والعديد من مواطن الحياة النباتية والحيوانية. يوجد هناك 12 طرق ممهدة للتجول والتزلج على الثلج، وكذلك الملاجئ السياحية ومناطق للتخييم.
نتجول على طريق نيكولوز رومانوف من ليكاني إلى جبل لوميس، حيث يؤدي وادي النهر عبر الغابات إلى مروج جبال الألب ذات الحشائش الطويلة والزهور البرية. لقد عبرنا عدد ضئيل فقط من المتجولين الآخرين. أعلم أن المكافأة التي تنتظرنا عند 7200 قدم ستكون عبارة عن مناظر خلابة. ولكن ما لم أتوقع رؤيته هو الخيول الحرة التي تتجول بمعاطف بنية لامعة والكنيسة الصغيرة المرخرفة وبُسط الزهور البرية.
هذا هو ما جئنا من أجله — الطبيعة البكر والسفر البطيء. أمامنا بضع ساعات فقط للرجوع، ولكن كل ما أريد أن أقوم به هو الاستلقاء وسط الزهور وإغلاق عينيّ والتنفس فقط.
أتفكر في السفر؟ للحجز في رحلة، يُرجى الاتصال بالرقم 800 DNATA أو زيارة الموقع dnatatravel.com